مجلس التعاون الخليجي- موقف موحد تجاه التصعيد الإسرائيلي-الإيراني ودعوات للسلام

المؤلف: د. عبد العزيز بن عثمان بن صقر08.28.2025
مجلس التعاون الخليجي- موقف موحد تجاه التصعيد الإسرائيلي-الإيراني ودعوات للسلام

لطالما تمنت دول مجلس التعاون الخليجي، وسعت جاهدة لتجنب نشوب أي حرب إسرائيلية إيرانية. وبرهنت على دعمها الراسخ للسلام والاستقرار في المنطقة في مناسبات عديدة، بل وتجاوزت ذلك، حيث ساهمت بعض دول المجلس بدور فعّال في إعادة إحياء المفاوضات الأمريكية الإيرانية بشأن الملف النووي؛ وذلك سعيًا لدرء وقوع مواجهات مسلحة بين الطرفين، أو تفاديًا لإقدام الولايات المتحدة على فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران.

ومنذ ما يزيد عن عامين، بادرت المملكة العربية السعودية باتخاذ خطوات بناءة تجاه إيران، تجسدت في توقيع اتفاقية سعودية إيرانية تاريخية برعاية كريمة من جمهورية الصين الشعبية في العاصمة بكين يوم 10 مارس/آذار 2023. وقد تم بموجب هذه الاتفاقية تفعيل وتعزيز التعاون المشترك في شتى المجالات الحيوية، بما في ذلك: الأمن، والاقتصاد، والتجارة، والعلوم، والثقافة، والرياضة. علاوة على ذلك، ساهمت هذه الاتفاقيات بشكل ملحوظ في التخفيف من حدة التوتر الذي كان يسود العلاقات بين البلدين قبل توقيعها، وأحدثت انفراجة ملموسة في عدد من الملفات الشائكة، وعززت الثقة المتبادلة بين الجانبين، مما يساهم في إتاحة مجال أرحب لفرص أفضل نحو بناء علاقات أكثر متانة واستقرارًا، ويحدوها الأمل الدائم والطموح في إقامة علاقات طبيعية وشراكة وطيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ تقوم على أسس راسخة من علاقات حسن الجوار والأخوة الصادقة، بعيدًا عن أي حساسيات أو خلافات.

وفي خضم الأزمة الراهنة، أظهرت دول مجلس التعاون الخليجي موقفًا إيجابيًا وداعمًا تجاه إيران، ورفضت الحرب بشكل قاطع وصريح، مما لاقى ترحيبًا وتقديرًا من وزارة الخارجية الإيرانية حيال بيان الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إسماعيل بقائي، ترحيبه الحار ببيان الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، والذي أدان بشدة العدوان الإسرائيلي على أراضي وسيادة إيران الوطنية، واعتبره انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

وصرح بقائي قائلاً: "إن انعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية مجلس التعاون يعكس بوضوح التفاهم المشترك والعميق لدول المنطقة بشأن ضرورة التحرك العاجل على المستويين الإقليمي والعالمي لوقف الحرب والعدوان على إيران".

وقبل اندلاع هذه الحرب المؤسفة بين إسرائيل وإيران، كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد أعادت النظر مليًا في تموضعها السياسي ومواقفها الإستراتيجية، وذلك قبل تفاقم الأزمة الراهنة بفترة زمنية ليست بالقصيرة. فقد سعت دول المجلس جاهدة لتحسين وتطوير علاقاتها مع إيران، وتجاوز حالة التوتر والصراع، وتبني محاولات جادة لبناء الثقة المتبادلة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية على أسس متينة، وتعميق التبادل التجاري والاقتصادي بين الجانبين.

وكان على رأس هذا التحرك الدؤوب، الجهود الحثيثة التي بذلتها كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، بهدف تطبيع العلاقات مع إيران، والتمسك بمبدأ راسخ وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لذا فإن الأزمة الراهنة جاءت في ظل حدوث تغيير جذري وتحول نوعي في الموقف الخليجي تجاه إيران، حيث لم تعد إيران تعتبر دولة عدوة أو مصدر تهديد فعلي ومباشر.

وعلى صعيد العلاقات السعودية الإيرانية، فإن المملكة العربية السعودية تنتهج إستراتيجية حكيمة تراهن على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ولا ترغب إطلاقًا في التصعيد أو تأجيج الصراعات، ولديها نموذج ثابت وراسخ يقوم على احترام السيادة والاستثمار الأمثل في البنية المؤسسية، ولا يعتمد على الاحتواء الطائفي، أو أجندة سياسية خفية وغير معلنة، إنما تعتمد سياستها بشكل أساسي على مبدأ "الوضوح والشفافية والمؤسساتية"، وتنطلق من أسس احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في شؤون الغير، وتقديم الدعم اللازم للبنية المؤسسية للدول الشقيقة والصديقة.

والمملكة تدرك تمام الإدراك أهمية دورها المحوري، كونها حاضنة للمقدسات الإسلامية، وبها قبلة المسلمين جميعًا، وأن قبولها ومكانتها الرفيعة لا تتعارض مع أي حساسيات دينية، كما هو الحال مع بعض الدول الأخرى. لذلك تنتهج المملكة حيال إيران وكافة دول المنطقة سياسة رصينة وثابتة، تتحرك بواقعية وحكمة، وتضع نصب عينيها تحقيق استقرار المنطقة، ودعم مسيرة التنمية والرخاء والرفاهية لشعوبها.

ومن هذا المنطلق الواضح والمحدد، برز الموقف الخليجي الموحد تجاه المواجهة الإسرائيلية الإيرانية العسكرية الراهنة. فجميع دول مجلس التعاون، والأمانة العامة للمجلس، أعلنت رسميًا رفضها القاطع للعدوان الإسرائيلي على سيادة وأراضي إيران، وسعت بكل جدية لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار، والعودة إلى المسار التفاوضي الذي كان قائمًا برعاية خليجية، وأعلنت جميع دول الخليج العربي منذ بداية الأزمة أنها لن تكون طرفًا في أي صراع مسلح، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولن تسمح إطلاقًا لأي طرف كان باستخدام أراضي أو مياه أو أجواء دول الخليج للعدوان على أي دولة أخرى، وهذا التحريم يشمل الدول الحليفة التي تمتلك قواعد أو تسهيلات عسكرية على الأراضي الخليجية.

لذا نجد أن الموقف الخليجي يتسم بالوضوح التام والوحدة في الرؤية والمطالب، وهو موقف داعم لإيران التي أصبحت ضحية لعدوان خارجي، وفي الوقت نفسه فإن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى جاهدة للتوصل إلى حل سلمي في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، وتعارض بشدة أي نشاطات للبرنامج غير سلمية أو عسكرية، وتدعو إلى وجود متطلبات الرقابة والقيود الدولية المفروضة على جميع الدول الأعضاء في اتفاقية الحد من التسلح النووي، والتي تشارك إيران عضويتها والتزاماتها مع جاراتها دول الخليج العربي.

وبهذا، فإن الموقف الخليجي من الناحية الأمنية محدد المعالم والالتزامات مسبقًا، وذلك قبل بداية الصراع المسلح بين إسرائيل وإيران، ولا يوجد بالتالي أي مبرر على الإطلاق لتوريط دول الخليج العربية في هذه المواجهة العسكرية.

وفي المقابل، وفي ظل الموقف الحيادي الصارم الذي تبنته دول مجلس التعاون في هذا الصراع، تحتفظ دول المجلس بحقها الكامل في الدفاع عن النفس، وحقها الأصيل في حماية أراضيها ومجتمعاتها ومنشآتها وكافة مكاسبها الاقتصادية من أي نوع من التهديدات، وأيًا كان مصدرها، وبجميع الوسائل الممكنة والمتاحة، وترفض بشكل قاطع أي استقطاب أو انحياز.

وترفض دول الخليج كذلك رفضًا باتًا أي مزايدة أو تشكيك في مواقفها المعلنة والصريحة والجادة، والتي تهدف في المقام الأول إلى دعم استقرار المنطقة، وعدم الزج بها في أتون حروب عسكرية مدمرة، والتي من شأنها أن تضر بالاقتصاد العالمي برمته، خاصة وأن المنطقة تعد من أهم وأكبر مصادر الطاقة في العالم، كما تدعو دول الخليج إلى ضرورة إنهاء الحرب فورًا، وتطالب الأطراف المعنية بالتوقف الفوري عن الأعمال العسكرية، وتدعو الدول الكبرى والأمم المتحدة إلى التدخل السريع والعاجل لوقف التدمير والقتل الممنهج للأبرياء، وهدم البنى التحتية، والتصرف بمسؤولية ووعي حيال ما يجري من تصعيد خطير بين إسرائيل وإيران.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة